الخصوصية
أنا أحبُّ الخصوصية ،وأحترمُ صاحبَها ،وأعتزُّ بها ،وأعتبرُها خطوةً على الطريقِ الصحيح للعملِ الجيد وتأكيدِ الذات التي تُعبّر عن رأيّ صاحبها بعيدآ عن أي غموضٍ ،وخاصة في هذا العصر .
لأنّ المشكلة في عصرِنا الرّاهن ليست بالكاتب، المشكلة في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي مواصلةِ تقبّلِ القيم الإنسانية الأخلاقية التي أصبحت العولمة اليوم نقيضَها الأساسي لمحاربةِ القيم ،والعمل على التحرير والخلاص منها ، وتقديم بدائل على تهجينِ المثقف العربي ،وتشويهِ الفكرِ وتُلقي عليه ثوبَ الزركشةِ الفارغة ،وتضعهُ أمامَ الكاميرات الإعلامية المزيفة بقصدِ الشهرة الكاذبة، وتجعلهُ عقيلاًصغيراً وجسماً كبيراً.
ولكن هذا لا ينطبق على كل مثقفي العرب ، بل إنّ الأكثرية وليسَ الأقليّة سينزلونَ إلى الساحاتِ الثقافيّة لإنتاجٍ ثقافيٍّ عربيٍّ أصيل من فعلٍ إبداعيّ وسيم ، ومن جعبّةِ تواصلِ القديم بالحديث وتكتسب تاريخ جديد يستمد قوته وعنفوانه وشموخه من القديم ، وبعيد كل البعد عن التبعية والخصوصية ،لا سعيآ وراءَ منصبٍ أو مكسبٍ.
ولا شكَّ أن هناكَ فارق ملحوظ بين تهميشِ الأهداف وبينَ أحلامٍ، وتطلعات الأمّة الكبيرة وآمالها العريضة .
عاشت في واقع عربيّ جسدت جوانبَ فكرية عديدة ،تظافرت عبرَ العصورِ، وولدَت حقائقَ ذاتية موضوعية ترفضُ الانسلاخ . وقد عبّرَ عن ذلكَ أحدُ روافدها، وهو منتجٌ أدبي متحديآ كلَّ الجوانبِ السلبيّة ،وواصلت طرح قضايا الإنسان العربي المعاصر وعملت على تعزيز هويته وانتمائه.
إنّ التحدي الصّامت عبرَ الكلمة المرمزة والمشحونة بالدلالات والتأويلات خيرٌ من الحربِ بالسلاح.
اليوم وفي أيامنا هذه من ينكر أن القابض على قيمٍ عربيّةٍ حقيقية ،وعلى عروبته التي تسري في كيانه ودمائه كأنهُ قابضٌ على جمرةٍ من نار ، ولكن أقول :لا بأسَ إن ألم الاحتراق أيّها الإخوة والأخوات يُصفي الذات الإنسانيّة المبّدعة كي تقرأَ الحاضر ،وتشرق المستقبل من دون أن تنسلخ عن عروبتنا وعن تراثها الأصيل.
أقولُ لكم: إنّ الإبداعَ الحقيقي اليوم هو الذات التي ترفض الأمركة والصهينة والتي تكون على نبض كبير من الإبداع الحقيقي .