recent
أخبار ساخنة

زاوية نظر * للاستاذ / أحمد انعنيعة

 زاوية نظر

                                    


بشكلٍ عامٍّ، عندما يقدم كتاب العلاقة بين"العقل والمادة" ، نلاحظ أن هذا الاستكشاف يكون مثيرًا جدا للتأمل في طبيعة الواقع والوعي الإنساني ، مما يتحدانا في زاوية النظر إلى هذا العالم من حولنا.

وليتك جاريت كثيرا صيحات كلمات العصر الحديث وأحسست يومها أنك لست من قائمة المثقفين الذين يتناولون الكلمات بمنتهى الدقة والاحساس .. يبدو أنه لم يسبق لك أن انتقيت كلماتك بالشوكة والسكين .. أكيد ، قد تعطيك اللغة الفرصة لترى مستمعا أو قارئا مبهورا أمام أقوالك الشفهية أو نصوصك المكتوبة دون أن يفهم شيئاً .. وخوفا من أن تتهمه أنت الكاتب المتمرس بالبلادة والغباء والجهل والأمية أو ما شابه ذلك من الأقوال الجاهزة ، فإن القارئ يمتنع ويتعنت ويلتزم الصمت .. إذ أنه ، بمجرد ما يخط أحد الكتاب نصا عصيا ، فإن اللوم يسقط فورا على القارىء لعدم تمكنه من الكلمات التي تقفز حوله من هنا وهناك .. وسأضع أمام عينيك كلمات ضعها تحت إمرتك لتستخدمها في المواقف الصعبة .. كلمات ، خذ منها ما تشاء وانثرها على صفحاتك : ستكون بالنسبة إليك رشات ملح خفيفة على عباراتك .. فكلمة "أجندة ومرجعية وخلفية " مثلا ، بالرغم من أنها تبدو سياسية للوهلة الأولى ، إلا أنها تستخدم في عدة مواضيع شتى كما في التربية الخاصة أو الإيديولوجيا .. ويختلف مفهوم كل منها حسب ما يتم تداوله في كل مقال ومقام .. وقد نتناولها بكلمات بديلة وسهلة ليعم التواصل من خلال تصرف بدهي أو حديث متعمد أو سلوك مكتسب .. 

ولتتمكن من وضع كلمة ما في عدة مواقع أساسية أو نصوص صرفة ، فإنه يتوجب عليك أولا أن تحدد نوعية "الخطاب" الذي ستعتمده بينك وبين الآخرين وأن تتعرف ثانيا على القارىء الذي سيستخدمها في تعامله معك حسب أجندة ديكتاتورية .. وبذلك فقط ، تستطيع فرض تأويلاتك الخاصة للتعامل معه . وبعيدا عن سياق الخطاب أو التأويل ، قد نصادف نزعات مختلفة ومتنوعة عند الكاتب والقارئ .. وكلمة "نزعة" هي كلمة في غاية البساطة ، لكن دلالاتها في غاية التعقيد لما يحصل من انزياحات في الافعال الخطابية .. فقد تعني القوة والعدوانية والسيطرة .. وقد تقودك كلمة "الحيثيات" وهي كلمة ثقيلة وصعبة المنال في مفردها وجمعها ، إلى "كشف" كل "الاسقاطات المفصلية" التي تزامنت مع أبعاد الأفعال والكلمات المشار إليه سابقا في النص أو الحديث .. ولذلك ، فإن كلمة "النزعة" هي "احتدام ممنهج" لمشاعر الغيرة والحسد اللذان يؤديان إلى "تصعيد درامي" في دواخل الكاتب والمتلقي على "مستويات" مختلفة حسب الأفعال "الارادية أو اللارادية " الواردة في النص .. وهي كلها كلمات ترتقي إلى مستويات أعلى من التثقيف ، ويمكنك استخدامها دائما في أي مكان .. فعندما نقول مثلاً :" إن النار هادئة أو النار منخفضة" ، فإن ذلك يبدو في أول الأمر أن الخطاب طبيعي ، ولكنه في واقع الأمر " مفصلي" وفي غاية الأهمية حسب "مستويات الاشتغال" . فعندما نشتغل على كلمة "الطعام" للوصول بالطبخة المطلوبة حسب النار المضرمة إلى مستويات أعلى في الطعم ، فإننا نود أن ننافس أفضل المطاعم التي تعتمد على الطعام التقليدي لحضارة هذا البلد ، باعتبار أن الطعام جزء أساسي من" ثقافة الوطن".

وفي نفس الوقت ، نمرر رسالة مفادها أم كلمة "مطعم ماكدونالد" هي كلمة تحاول "تغريب" الطعام التقليدي ، بفرض "أجندتها" الخاصة عبر الوجبات والعروض المقدمة ، وأنه علينا "الاشتغال" عبر "رؤى مدروسة" لكي نقاوم عملية "المسخ" التي تتعرض إليها ثقافتنا . وطبعا هنا ، فإن كلمة "نزعة" تصبح من أهم ما يمكن زرعه من كلمات بين جملة وأخرى لرفض مفهوم التغريب والتأكيد على هويتك الثقافية .. وتصبح كلمة "نزعة" خير أداة "للاستدلال" على نظرات الغيرة والدهشة والاعجاب والافتخار بالذات .. وما الصمت الذي ستعاينه بشكل "ملموس" في خطابك المذكور بين القراء أي "الشخوص المحتدمون" في المكان والزمان إلا اعتراف بأن "خطابك الحداثي" فاق قدرتهم على الفهم وأن ثقافتك فاتت ثقافتهم .. وبذلك يمكنك "الاسترسال" قدر ما تشاء في الحوار ، باستخدام هذه "التقنيات " في تأويل الخطاب ليتحول "المتلقي" إلى أذان صاغية، وفاه مشدوه، وعينين صاغرتين ..

ويتبين مما سبق أن الوعي في دقة تحليله لحقائق الأمور ليس نتاجًا للدماغ ولكنه بالأحرى جانب أساسي من الواقع وهو موجودٌ بالقوة بشكلٍ مستقلٍّ عن المادة وتعبر عنه الكلمات بنظام وانتظام .


                           للاستاذ / أحمد انعنيعة

author-img
الأديب / أحمد عبد السميع

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent