recent
أخبار ساخنة

العفو عند المقبرة *

الحجم
محتويات المقال

 العفو عند المقبرة



كعادة التليفزيون كل رمضان، تسونامي يضرب كل القنوات ببرامجٍ للصالح والطالح، سيلٌ هائل من المسلسلات التي تدور غالبًا في إطار علاقاتٍ غير مشروعة، تروج لمحتوى العنف الأسري، وتضع قواعدًا جديدة لإحتراف الجريمة للمبتدئين، ومعها تتصاعد وتيرة برامج الفضائح، والنفايات الألكترونية من تطبيقات لاحصر لها ولا عدد. وبعد هدوء الزوبعة نجد آثار ما لفظه الإعصار وبقي على السطح، عالقًا في الأذهان.

وفي خِضَّم العاصفة، لفت نظري برنامجٌ يتحدث عن حراس المقابر، أشخاصٌ وصمهم مجتمعنا القاسي بقسوة القلب وموت الأحاسيس، مع أنهم في الحقيقة عباد سخرهم الله لقضاء حوائج غيرهم من البشر. تحدث البرنامج عن حياتهم، نوعية عملهم، الصعاب التي يواجهونها وأغرب قصصٍ لموتى تم غسلهم ودفنهم على يد ذويهم. وقد قام أحدهم بشرحٍ مفصل لما يقوم به من اشراف على المقابر مع إبنٍ له لم يتجاوز السابعة عشر من عمره.

صورٌ كثيرة مرت بخيالي.. منذ موت أحد المقربين إلينا حتى وضعه في مثواه الأخير، ليبدأ رحلةً جديدة في عالم البرزخ. استرعى انتباهي حال البشر في أيامنا الحالية..!! يموت أحدهم، فنبكي عليه، نستقبل العزاء فيه ونبتهل إلى الله ليغفر ذنوبه ويرزقه جنة الخلد بغير حساب، يُشَيِّع البعض جنازته، يواروا عليه التراب، يبكي عليه البعض ويتذكروا محاسنه، ثم يقرأوا الفاتحة ويدعوا له بالرحمة والغفران، وينشغل الجميع بأمور الحياة الدنيا مرةً أخرى.

سمي الإنسان بهذا الإسم نسبةً إلى النسيان.. ندفنهم ونحزن لفترة، لا نتعظ ولا نتوب، ولا يخطر ببالنا أنهم السابقون ونحن اللاحقون، مازلنا نمارس أسوأ عاداتنا دون توقف.. نعصي الله جهرةً وننسى أن ندعوه في الخفاء ليغفر لنا ويتجاوز عن سيئاتنا.. نكذب في العلن ولا نستغفر.. نغتاب البشر بدون رادع وننسى قوله تعالى؛ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚو اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". نمارس النفاق ونعتبره نوعًا من الدبلوماسية الفاخرة التي لا يجيدها إلا الأذكياء..!! نتناسى أبسط الأمور المستحبة وننسى أن هناك رقيبٌ عتيد..!!

قال الإمام علي رضي الله عنه بحق الاخره؛ "ألا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملكٌ قادر"

اتقوا الله، كفوا ألسنتكم عن البشر واعلموا بأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، و تذكروا قوله تعالى؛ "ومَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ".

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، عَلِّي أكون سبب في تنبيه غافل عن التوبة وآخر قاسي القلب.

**

للأستاذة / غادة ناجي طنطاوي

google-playkhamsatmostaqltradent